وهذا الاتجاه وهو: الإيمان بإله من غير اتباع دين، هو اتجاه عالمي موجود في الأديان القديمة وفي العصر الحديث، والآن يوجد لهذا الاتجاه أتباع في أوروبا، وقد كثر أتباعه في القرن الثامن عشر بعد أن ظهرت الكشوفات العلمية -وخاصة نظرية نيوتن - فمن خلال ما عرفوه عن الأرض وعن المجموعة الشمسية، وعن الجاذبية؛ تبين لهم كذب وتناقض ما في أناجيلهم، فكفروا بـالنصرانية، ولم يدخلوا في اليهودية؛ وذلك لأنهما شيء واحد، فإن النصرانية تؤمن بالتوراة، وكذلك فإن اليهودية لن تقبلهم، ولم يسلموا، فقد منعهم من ذلك الكبر، ومنعتهم دعاية البابوات التي غطوا بها أوروبا طوال قرون كثيرة، وهي أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- كذاب ودجال ومفترٍ، فوصفوه بأقبح ما يمكن من الصفات، وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك! وأن المسلمين أحط أمة، وأنهم وثنيون ومشركون... إلخ، فرأوا أن يتدينوا بهذا الدين، وهم مشهورون جداً، ومعروفون في التاريخ الأوروبي.
ويسمون بـالمؤلهين، أي: الذين يؤمنون بإله، لكن ليسوا على دين النصارى، وبعضهم يترجمها فيقول: الربوبيون، أي: الذين يؤمنون بتوحيد الربوبية، فيؤمنون بالرب لكن لا يتدينون بالدين الذي جاء به، وهذا المذهب اسمه في لغتهم (الدايزم )، أي: الإيمان بإله مع إنكار الشرائع، أو مع إنكار الوحي والرسالات.
ومن أمثلتهم: جان جاك روسو، العالم الشهير في علم التربية والسياسة والاقتصاد، وغيرها من العلوم.
ومنهم: الأديب والشاعر الفرنسي فولتير، ومنهم: الكاتب الفرنسي المشهور ديدرو، صاحب الموسوعة، وهي أول موسوعة علمية حديثة عرفها الغرب، وأمثالهم.
يقول هؤلاء: إن الإله الذي تؤمن به الكنيسة لا وجود له، فلا يمكن أن نصدق أن الثلاثة واحد، والواحد ثلاثة، وأن هذا الواحد نزل إلى الأرض فقتل وصلب! وأيضاً لا يمكن أن نصدق أن هذا الكون جاء من غير إله. قالوا: إذاً نؤمن بإله الطبيعة، ولهذا اعتزل روسو في مقاطعة سافوي، وكتب كتاب راهب سافوي، ويعني به: أنا راهب الطبيعة، لست منعزلاً في صومعة كرهبان النصارى، بل منعزل في أحضان الطبيعة، ويعبد هذا الرب الذي يقول عنه: نؤمن به ولم يكلفنا بأي التزامات، بل تركنا نعبده ونخطط كما نريد، ولهذا قال: نضع بديلاً عن الدين وعن الشريعة شريعة يصطلح عليها البشر، فوضع مبدأ العقد الاجتماعي، وألف كتابه : العقد الاجتماعي . ولهذا فإن نظريات الحكم الحديثة، ونظريات الاقتصاد والتربية، تعتمد على هذه النظرية أو تذكرها -على الأقل- كتاريخ، وهي نظرية العقد الاجتماعي.
إذاً: هؤلاء ممن يمكن أن نسميهم بهذا المفهوم الصابئين؛ وذلك لأنهم تركوا ما عليه أقوامهم من الدين، ولم يتبعوا أي شرع.
وقريش عندما كانت تسمي محمداً صلى الله عليه وسلم الصابئ، وكانت تسمي أتباعه الصُباة، كانت تعني بذلك هذا المعنى، أي: الذين خالفوا ما عليه الناس من دين.